فى خطوة تاريخية تعبر عن ثقلها الإقليمى ومسئوليتها القومية، نجحت مصر فى تحقيق نصر دبلوماسى كبير بوقف نزيف الدم الفلسطيني، من خلال جهود وساطتها المكثفة التى توجت باتفاق مبدئى لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة بين حركة حماس وإسرائيل، بمشاركة فاعلة من كل من قطر، الولايات المتحدة، ويأتى هذا الإنجاز فى ظل ظروف معقدة، وضغوط دولية هائلة، ومحاولات ممنهجة لتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها عبر التهجير القسرى والتطهير العرقى بحق المدنيين الفلسطينيين.
مدينة السلام «شرم الشيخ» تستضيف الاجتماعات التى جاءت تتويجا لمسار طويل من التحركات السياسية والدبلوماسية التى تقودها القاهرة منذ أكثر من عامين، سعياً لوقف العدوان الإسرائيلى على قطاع غزة، فقد كانت مصر أول من دعا وحذر بوضوح من خطر اتساع رقعة الصراع الإقليمى وتهديد الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط.
الجهود المصرية لم تقتصر على الجوانب السياسية، بل امتدت لتشمل الجانب الإنساني، حيث أولت القاهرة أهمية قصوى لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، متحدية القيود الإسرائيلية والحصار الخانق الذى فرض على القطاع، ومارست مصر ضغوطا سياسية متواصلة، ونجحت فى تأمين ممرات إنسانية وإيصال قوافل الإغاثة إلى الفلسطينيين المحاصرين، ما ساهم فى تخفيف معاناتهم فى ظل أوضاع مأساوية.
مصر التى رفضت رغم الضغوط والتهديدات والوعود والإغراءات، الانخراط فى أى مسار لا يضمن الحقوق الفلسطينية الكاملة، وتمسكت بثوابت سياستها الخارجية الداعمة للقضية الفلسطينية، وفى مقدمتها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وتفعيل مسار حل الدولتين باعتباره الطريق الوحيد لتحقيق سلام عادل وشامل.
نجحت مصر العظيمة القوية، فى إفشال محاولات تهجير الفلسطينيين إلى خارج أراضيهم، التى كانت تهدف إلى تغيير البنية التاريخية لغزة وسيناء والمنطقة برمتها، وهو ما حذرت منه القيادة المصرية مراراً، لحماية الشعب الفلسطيني، ودفاعا عن الأمن القومى المصرى والعربي.
لقد أثبتت مصر مجدداً أنها قلب العروبة النابض، وقادرة على أن تلعب دور الوسيط النزيه والمسئول فى أصعب الظروف، وأن الرئيس السيسى رجل وطنى له موقف ثابت وشريف فى زمن عز فيه الشرف، وقف صامدا فى وقت تراجعت فيه العديد من القوى الإقليمية والدولية عن مسئولياتها، كانت مصر وحدها حاضرة بثقلها السياسى والدبلوماسي، تدير المشهد بتوازن وحنكة، وتحمى القضية الفلسطينية من التهميش والابتلاع.